في إعلان جديد يعكس التوجه الحالي نحو تطوير نماذج التفكير العميق، كشفت شركة علي بابا عن نموذجها الجديد "QwQ-32B-Preview"، والذي يعتمد على "التفكير الاستنتاجي"، ويستهدف تقديم بديل قوي للنماذج الرائدة مثل تلك المقدمة في سلسلة o1 من OpenAI.
ويأتي إطلاقه في وقت نلاحظ فيه بداية إعادة صياغة استراتيجيات تطوير الذكاء الاصطناعي، حيث تتجه الأنظار نحو تطوير أساليب جديدة لتحليل المشكلات وحلها بطريقة منطقية بدلاً من الاعتماد فقط على زيادة البيانات أو القوة الحاسوبية.
ولا يقتصر "QwQ-32B-Preview" على حل المشكلات أو تقديم الإجابات، يعكس "روحًا فلسفية" في طريقة معالجته للمسائل، وذلك على حد مزاعم الشركة.
حيث تشير في مدونتها إلى أن إصدارها يتبنى نهجًا عميقًا يقوم على التساؤل المستمر يواجه كل مسألة بالشك والتساؤل، ويعيد النظر في افتراضاته قبل الوصول إلى أي إجابة. إن هذا المنهج يمنحه القدرة على البحث عن الحقيقة بشكل أقوي، ويجعله أشبه بعقلية الباحث أو الفيلسوف الذي يفضل تحرى الأمور جيدًا عن الاستعجال.
ويتميز النموذج الجديد بعدد هائل من المعاملات يبلغ 32.5 مليار، وقدرته على التعامل مع نصوص تصل إلى حوالي 32 ألف كلمة، مما يجعله من بين أقوى النماذج في معالجة النصوص الطويلة والمعقدة.
ووفقًا للاختبارات التي أجرتها شركة علي بابا، فإن "QwQ-32B-Preview" تفوق على نماذج o1 في اختبارات متخصصة مثل AIME وMATH، حيث يتطلب الأول تقييم الأداء باستخدام نماذج ذكاء اصطناعي أخرى، بينما يركز الثاني على حل مشكلات رياضية تتطلب التفكير المنطقي.
وبحسب نتائج الاختبارات، حقق النموذج أداءً مميزا على معايير رياضية وبرمجية دقيقة. فقد سجل نسبة نجاح بلغت 90.6% على معيار MATH-500، الذي يتضمن 500 مسألة رياضية معقدة تستلزم تفكيرًا عميقًا.
وكذلك أثبت كفاءته في معايير أخرى مثل GPQA (65.2%) وLiveCodeBench (50.0%)، وهو ما يعكس قوته في التعامل مع المشكلات البرمجية والرياضية المعقدة.
ومن أبرز مميزات QwQ-32B-Preview آلية "الفحص الذاتي للحقائق"، التي تمكّنه من مراجعة خطواته ودراستها بعمق لضمان صحة النتائج.
ومع أن هذه الآلية تضيف دقة إلى الأداء، إلا أنها تتسبب أحيانًا في استغراق وقت أطول لإنجاز المهام. كما أنه يعاني من بعض القيود، مثل إمكانية دخوله في دورات تفكير دائرية متكررة.
وبالإضافة إلى ذلك، قد تجد تبديل غير متوقع بين اللغات أثناء الإجابة. فحينما حاولت التحدث معه بالعربية، كان يعطي ردودًا تمزج بين العربية والصينية.
ورغم هذه الابتكارات، فإن هذا الإصدار يُظهر حذرًا ملحوظًا عند التعامل مع القضايا السياسية الحساسة.
فعلى سبيل المثال، قدم إجابة تتماشى مع الموقف الرسمي للحكومة الصينية عند سؤاله عن وضع تايوان، بينما امتنع عن الإجابة عند التطرق إلى موضوعات مثل أحداث ميدان تيانانمين.
إن هذا النهج يعتبر ميزة مشتركة بين العديد من النماذج المطورة في الصين. ومن أبرزها الإصدار الجديد DeepSeek-R1-Lite-Preview، والذي يقدم قدرات مشابهة في طريقة الاستجابة.
ويعكس هذا التزام الشركات الصينية باللوائح التنظيمية المحلية، مما قد يُقيّد استخدام هذه النماذج خارج السياق المحلي.
وعلى جانب آخر، يتيح QwQ-32B-Preview إمكانيات جديدة للمطورين، فقد تم إطلاقه برخصة Apache 2.0 التي تسمح باستخدامه في التطبيقات التجارية.
ومع ذلك، فإن شفافيته ليست كاملة؛ إذ إن بعض مكوناته الأساسية لم يتم كشفها، مما يجعل من الصعب إعادة بنائه بالكامل أو دراسة آلياته الداخلية بعمق.
بالختام، فإن إطلاق QwQ-32B-Preview هو مثال على التحول الاستراتيجي في صناعة الذكاء الاصطناعي، حيث بات التركيز يتجه نحو تقنيات "الحساب أثناء وقت الاختبار" لتحسين أداء النماذج عبر منحها وقتًا إضافيًا لتحليل المشكلات.
كما يشير فريق Qwen إلى أن رؤيتهم المستقبلية ستشمل التركيز على قدرات "التأمل الذاتي" وفحص المهام المعقدة بفعالية أكبر.
ومع استمرار Google وشركات أخرى في تطوير البنية التحتية والبحثية لهذه التقنيات. يشير هذا الاتجاه إلى إدراك متزايد بأن تحسين قدرات التفكير المنطقي للنماذج سيكون عاملًا حاسمًا في تجاوز التحديات المستقبلية.
يمكنك تجربة النموذج مجانًا من هنا.
