أثناء استخدام نموذج الاستدلال المنطقي والتفكير الجديد من جوجل، Gemini 2.0، والذي تم إطلاقه تجريبيًا تحت اسم Flash Thinking Experimental 01-21، أظهر سلوكًا غريبًا في إحدى المحادثات.
فقد استجاب بلغات أخرى تمامًا أثناء حديثنا، رغم أن النقاش كان يدور باللغة العربية.
لم يكن هذا الروبوت هو الأول في هذه الحادثة من هذا النوع من نظم الاستدلال، فقد سبقته نماذج شركات أخرى مثل أوبن إيه آي، وعلي بابا.
فماذا حدث وما هي الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى ذلك؟
الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي: نماذج الاستدلال والتفكير
بدأت نماذج الاستدلال المنطقي في السيطرة على مجال الذكاء الاصطناعي كبديل أقوى من النماذج التقليدية.
تم تصميم تلك النماذج الجديدة للتعامل مع المهام المعقدة ومتعددة الخطوات، حيث إنها تستخدم تقنية تسمى "التفكير المتسلسل" (CoT).
فبدلًا من تقديم إجابة مباشرة، تقوم هذه النماذج بتوليد سلسلة من خطوات التفكير الوسيطة قبل تقديم الإجابة النهائية، وبالتالي الوصول إلى استنتاجات أكثر دقة من ذي قبل.
ولهذا يمكننا اعتبار أن تلك الأنظمة الجديدة بمثابة تقدم كبير في هذا المجال.
وقد بدأت تلك المرحلة في الانطلاق منذ كشف شركة OpenAI عن أول نموذج استدلال لها وهو o1-preview، والذي كان بمثابة مرحلة تجريبية قبل أن تطلق نموذجها الرئيسي o1 في ديسمبر الماضي.
ومن ثم أطلقت العديد من الشركات نظم الاستدلال الخاصة بها، مثل DeepSeek-R1 الصيني مفتوح المصدر، والذي برز على الساحة بسبب قدراته الهائلة.
سلوكيات غير متوقعة: لغات مختلطة في نماذج الاستدلال
ورغم قدرات نماذج الاستدلال المنطقي، إلا أنها أظهرت سلوكًا غريبًا بعض الشيء.
ففي الأسبوع الماضي تحدثنا عن وجود نمط غريب في سلوك بعض هذه البرامج، خاصة o1 الذي شرع في التفكير بلغات مختلفة مثل الصينية، رغم أن السؤال موجه له باللغة الإنجليزية.
حيث يبدأ o1 سلسلة من الخطوات المنطقية للإجابة، لكنه يتخلل هذه الخطوات بلغات أخرى قبل تقديم الرد النهائي باللغة الإنجليزية.
وقد ذكرت في نفس المقال تجربتي مع نموذج QwQ-32B-Preview من علي بابا، حينما أجابني باللغة الإنجليزية مختلطة بالروسية، ردًا على سؤالي باللغة العربية
نماذج التفكير من الجيل الثاني لجيميني
وإذا انتقلنا بالحديث عن جوجل، فقد كشفت أواخر العام الماضي عن الجيل الثاني من نماذجها "Gemini 2.0".
وقامت الشركة بإطلاق إصدارات تجريبية من هذا الجيل، والتي شملت نموذج التفكير Flash Thinking إصدار شهر ديسمبر.
تعرف على مزايا Gemini 2.0، ونتائج تجربتي معه.
وذلك قبل أن تطلق النسخة المحسنة منه Gemini 2.0 Flash Thinking Experimental 01-21 منذ عدة أيام.
ويتميز هذا الإصدار المحسن بقدرته على معالجة النصوص الطويلة مع تقليل التناقضات في الإجابات، ودعم تنفيذ الأكواد البرمجية.
تجربة مع Gemini 2.0: سلوك التفكير والاستجابة بلغات مختلفة يتكرر
أجريت العديد من الاختبارات على الإصدار التجريبي الجديد لجيميني، وكانت نتائج التجربة جيدة جدًا.
ولكن فجأة أثناء إحدى المحادثات معه، تفاجأت بنفس السلوك الغريب الذي أظهرته نماذج التفكير الأخرى.
كنت أتكلم معه باللغة العربية عن أحد المشاريع في الذكاء الاصطناعي، وكان يستجيب كما هو متوقع بنفس اللغة.
ثم فجأة أعطى أحد الاستجابات بلغتين (الإنجليزية مع البنغالية)، ولم تكن هناك أي كلمة عربية.
وقتها لم أكن أعرف ما هي اللغة الأخرى التي تحدث بها بجانب الإنجليزية.
ولذلك سألته عن سبب تحدثه بالإنجليزية، رغم محادثتنا العربية.
تكرر نفس الأمر، لقد استمر بدمج نفس اللغتين في رده أثناء رده عن السبب المحتمل للتفكير والاستجابة بلغات أخرى.
طلبت منه أن يترجم ما أرسله لي، كانت إجابته بالعربية هذه المرة، موضحًا لي أن سبب هذا السلوك يرجع إلى العلامات الداخلية، أو التسميات البرمجية، والتي ظهرت عن طريق الخطأ.
ربما تجد في الصورة التالية، أنه لم يكن حديثه بالعربية بشكل كلي.
فقبل توضيح سبب السلوك، كتب كلمة بلغة غير مفهومة.
ولقد اتضح أن هذه الكلمة بلغة تدعى المالايالامية، وهي لغة هندية قريبة من البنغالية
سألته لماذا أقحم تلك الكلمة داخل حديثه العربي.
هذه المرة كانت مفاجئة، فإجابته كانت كلها بالبنغالية فقط.
أردت توجيهه إلى خطئه عن طريق سؤاله عن اللغة التي تحدث بها للتو.
ومجددًا انتبه روبوت الدردشة لهذا الخطأ، واعتذر عن تحدثه بالبنغالية، والمالايالامية.
وأشار إلى احتمالية وجود مشكلة تقنية في نظامه تسبب تداخل اللغات.
لكن المفاجئة تتكرر، مازال يقحم لغة أخرى إلى جانب العربية، حتى حينما انتبه للخطأ.
الأسباب المحتملة لتداخل اللغات في نماذج التفكير
في المقال الذي أشرت إليه سابقًا، والذي تحدثت فيه عن هذا السلوك أي التفكير والاستجابة بلغات مختلفة، أشرت فيه إلى الأسباب الأكثر احتمالًا لهذه الممارسة.
وكانت تتضمن: تأثير البيانات التدريبية، الكفاءة اللغوية، النماذج كأنظمة احتمالية، العشوائية والسلوك غير المتوقع.
وسنوضح هنا بطريقة أخرى أسباب هذا النمط، والذي يبدو أنه شائع في نماذج التفكير. يمكننا إرجاع سبب الاستجابات بلغات أخرى إلى عدة عوامل.
أولها أن بيانات التدريب التي استند إليها كانت متنوعة، وتضمنت كميات كبيرة من النصوص بلغات مختلفة، بما في ذلك العربية والبنغالية وغيرها.
ورغم أن النموذج مصمم للتحدث بالعربية في هذه المحادثة، إلا أن ذاكرته قد تتضمن معلومات بلغات أخرى.
ثانيًا، تعتمد نماذج اللغة الكبيرة على الاحتمالات، فهي تحاول توقع الكلمة أو الجملة التالية الأكثر احتمالًا بناءً على الأنماط التي تعلمتها من بيانات التدريب.
وفي حالات نادرة، قد يحدث خلل سطحي أو ارتباط غير متوقع بين اللغات المختلفة، مثل أن تتداخل بنية الجملة أو بعض الكلمات المشتركة.
ثالثًا، قد يكون هناك تحيز طفيف في بيانات التدريب لصالح لغات أخرى في سياقات معينة، وهذا ليس مقصودًا ولكنه يبقى احتمالًا واردًا.
رابعًا، هناك احتمال لحدوث تشويش أو انحراف داخلي أثناء معالجة النصوص، مما قد يؤدي إلى توليد لغة غير متوقعة بشكل عابر.
وأخيرًا، لا يمكن استبعاد وجود أخطاء برمجية بسيطة، فالأخطاء واردة دائمًا في الأنظمة المعقدة، وهذا قد يكون السبب الأبسط والمباشر.
