مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل غير مسبوق، يتجه العديد من الشركات الكبرى إلى دمج هذه التكنولوجيا في محركات البحث الخاصة بها.
ومن بين أبرز هذه التحولات هو ظهور محركات بحث مدعومة بالذكاء الاصطناعي، مثل ChatGPT Search من OpenAI، و Grounding من Google.
هذه الأدوات تهدف إلى تغيير طريقة تعاملنا مع الإنترنت بشكل جذري.
ولكن، هل هذا التغيير سيكون لصالح المستخدمين أم سيُحجم قدرتهم على استكشاف المعرفة؟ هذا ما سنتناوله في مقالنا، متناولين الآراء المختلفة حول تحول هذه المحركات إلى أدوات تعتمد على التقنيات الذكية.
الذكاء الاصطناعي في محركات البحث: تحسين أم تهديد؟
في ظل الاستخدام المتزايد لل AI في أدوات البحث، يُطرح السؤال: هل سيكون لهذه التقنية تأثير إيجابي على الطريقة التي نبحث بها عن المعلومات على الإنترنت؟
وعلى الرغم من الوعود الكبيرة التي تقدمها هذه الأدوات مثل SearchGPT، لا تزال هناك مخاوف من أن هذه التقنية قد تقيد حرية التقصّي البشري.
إن أحد الأصوات التي تعبر عن هذه المخاوف هو البروفيسورة إميلي بنتر من جامعة واشنطن، التي أكدت في تصريحاتها أن نماذج اللغة الكبيرة (LLMs) التي تدعم هذه المحركات لا تملك "فهمًا حقيقيًا" لما تقوله.
فهي تقوم ببساطة بتوليد تسلسل من الكلمات التي تبدو طبيعية، ولكن دون التمكن من التحقق من صحة هذه المعلومات. وهذا قد يؤدي إلى حالة من الاعتماد على إجابات قد تكون صحيحة في بعض الأحيان، ولكنها لا تضمن الدقة في جميع الحالات.
بنتر تقول إنه "إذا استخدم شخص ما محرك بحث يعتمد على الذكاء الاصطناعي كبديل للبحث التقليدي، وكانت النتائج صحيحة بنسبة 95%، فإن هذا يشكل خطرًا أكبر من محرك بحث دقيق بنسبة 50%". فالمستخدم قد يثق في هذه النتائج بشكل أكبر، مما يعرّضه للخطر في حال كانت المعلومات غير دقيقة في الـ 5% المتبقية.
Furthermore, a system that is right 95% of the time is arguably more dangerous tthan one that is right 50% of the time. People will be more likely to trust the output, and likely less able to fact check the 5%.
— @[email protected] on Mastodon (@emilymbender) November 4, 2024
>>
راحة استخدام البحث بالذكاء الاصطناعي وتحدياته
ورغم المخاوف التي يتم إثارتها حول هذه البرامج الذكية، لا يمكن إنكار أن أدوات ChatGPT Search و منصات مثل Perplexity تقدم العديد من المزايا.
فعلى سبيل المثال، يستطيع للمستخدمين الحصول على إجابات فورية وشاملة، تغنيهم عن التنقل عبر عدة روابط وصفحات كما هو الحال في المحركات التقليدية.
هذا يعكس قدرة ال AI على تقديم إجابات مختصرة وواضحة في مجالات مثل الطقس، الأخبار، أو حتى آخر الاكتشافات العلمية، مما يميز هذه المحركات عن أدوات البحث التقليدية.
لكن، مع هذه الفوائد تأتي تحديات جديدة. ماتيو وونغ في مقالة عن "موت البحث" يوضح أنه على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي قد يُسهم في تسريع الوصول إلى الإجابات، إلا أن هذا قد يؤدي إلى فقدان التجربة التي يتسم بها البحث التقليدي، التي تتضمن البحث العميق والتفاعل مع مصادر متعددة.
ومحركات البحث التقليدية -رغم العيوب التي تحملها- تمنح المستخدمين فرصة لاكتشاف المعرفة في سياقات متعددة، وهو ما قد يفقده المستخدمون في أدوات البحث الذكية.
درجة الرضا عن إجابات المحركات الجديدة
اسأل نفسك: هل تحصل على نسبة رضا كاملة عند استخدام هذه الوسائل الجديدة؟
بالنسبة لي، لا اعتمد عليه بأكثر من 10% من عملياتي، وتكون في إطار معرفة طريقة ما لإنجاز أعمالي، دعني أخبرك السبب.
سنضرب مثالاً بسيطاً، أنا أريد أفضل الأماكن لتحويل النص إلى صورة، سأستخدم ChatGPT Search لسؤاله عن الأمر، طالباً إياه بالبحث عبر الإنترنت جيدًا، لإحضار قائمة بتلك المواقع.
وكما تشاهد بالصورة، قام النموذج بالغوص عبر الويب لإحضار هذه القائمة مدعومة بالمصادر.
وقد تتفاجئ مثلي -إن كان لديك خلفية بنماذج الصور الحديثة- عندما تشاهد تلك المعلومات القديمة التي أوردها. لقد أعطاني نفس مجموعة المواقع التي كان يجلبها لي العام الماضي.
فهل تتخيل أن يكون بقائمته نموذج الصور DALL-E 2، رغم مرور أكثر من عام على إطلاق DALL-E 3.
في خلال هذا العام ظهرت أدوات مجانية قوية وبارزة في مجال تصميم الصور مثل Flux و Recraft وغيرهم ممن حققوا سمعة كبيرة على الساحة، ومع ذلك ورغم ميزة البحث الجديدة إلا أنها لم تكن بالمستوى الذي نتوقعه.
لماذا؟ لأنها ببساطة ليست بشراً، فهي لن تقضي وقتاً طويلاً مثلما كنت تفعل أنت بالطرق التقليدية للوصول للمعلومات الصحيحة التي تنشدها تمامًا.
كما أنك لن تهلوس مثلما تفعل هي مهما تقدمت تقنياتها، بالعكس يمكن أن تخدعك بإجابات مقنعة ولكن ليست دقيقة.
ولقد قصدت أن أضرب تجربة بهذا المثال البسيط، فماذا لو كان الأمر حيوياً كمن يطلب مساعدة في رسائل الماجستير أو الدكتوراة.
أيضًا تخيل معي أن من يتحدث مع هذه النماذج هو شخصًا ليس لديه خلفية قوية بالمجال الذي يستفسر بشأنه، واعتمد بنسبة 100% على البيانات الواردة له منها.
ولكن لا تفهم مرادي بشكل خاطئ، لا أقول لك أترك هذه الأنظمة الجديدة بشكل كامل، بل أقول لا تثق بها بشكل مطلق.
الوصول للمعلومات أصبح سهلاً، ولكن دقة البيانات ليست بمقدار هذه السهولة.
تأثير التقنيات الجديدة على الثقافة والتعليم
من الجدير بالذكر أن هذا التحول لا يؤثر فقط على طريقة التنقيب عن المعلومات، بل له تأثيرات بعيدة المدى على الطريقة التي نتعلم بها.
ولذلك البروفيسورة بنتر تشدد على أن استخدام أنظمة البحث الذكية قد يقلل من قدرتنا على استكشاف مصادر متنوعة للمعرفة. وقد يؤدي ذلك إلى تقليص مساحة التفكير النقدي والتفاعل مع معلومات متعددة ومتنوعة.
إن محركات البحث التقليدية -من خلال تنقل المستخدم بين الروابط والمقالات المختلفة- تسمح له بتشكيل صورة شاملة حول موضوع معين.
بينما المحركات الذكية قد تقتصر على تقديم إجابة مختصرة قد تكون صحيحة، لكنها ليست بالضرورة شاملة أو كافية لفهم الموضوع بالكامل.
هل نحن على أعتاب مرحلة جديدة من البحث؟
من المؤكد أن المستقبل القريب سيشهد تغييرات كبيرة في كيفية بحثنا عن المعلومات. جوجل و OpenAI و Perplexity وغيرها من الشركات الكبرى تدفع قدما باتجاه هذه التغيرات، وهو ما يعكس صراعًا كبيرًا بين النمط التقليدي للتنقيب عبر الروابط وبين النظام الجديد الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي لتقديم إجابات سريعة.
ولكن السؤال الأكبر يبقى: هل هذه التغيرات ستزيد من جودة تجربتنا مع الإنترنت، أم أنها ستؤدي إلى تقييد فضولنا الطبيعي، الذي نشأ من التنقل في أعماق الشبكة العالمية واكتشاف روابط ومعارف جديدة؟
قد يكون الجواب هو أننا سنعيش في عالم أكثر راحة وكفاءة، لكننا قد نفقد جزءًا من روعة التقصّي والاكتشاف، مما قد يؤدي إلى تقليص قدرتنا على التفكير النقدي واستكشاف المواضيع بعمق.
بالختام، فإن محركات البحث المدعومة بالذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT Search تقدم وعدًا بتحسين تجربة البحث، ولكنها تأتي أيضًا مع تحديات ومخاطر. قد تؤدي هذه التقنية إلى فقدان الفضول البشري والقدرة على الاستكشاف الحر. وبينما نجد أن هذه المحركات تقدم حلولًا سريعة وفعالة، فإن السؤال عن مدى تأثيرها على طريقة تعاملنا مع المعلومات ومدى تأثيرها الثقافي والتعليمى يظل قائمًا.
تعرف أيضًا على أداة AI Overview لدعم بحثك في جوجل بال AI.